الأربعاء، 21 يناير 2009

صاحب المرقعة أوْعَى من كل الحكام, د. جابر قميحة

صاحب المرقعة أوْعَى من كل الحكام


كتب أحد الكتاب من غلاة العلمانيين مقالًا طويلًا بعنوان "حتى لا يحكمنا لابسو المرقعات". ومن كلماته… "عجبًا لهؤلاء الإسلاميين يريدون دولة يحكمها البدو بشريعة الغاب، ويتولى أمرها الحفاة العراة، ولابسو المرقعات، وآكلو الضب. ونسوا أنّنا في عصر العلم، والعقل، والمخترعات، حيث السيادة للعلم، وللعلم فقط لا للحفاء ولا للمرقعات".

وأقول لهذا العلماني المسرف على نفسه والمسرف على غيره، والجائر على الحقيقة أنّه بالغ وأسرف وتعدى خطوط الأدب في التعبير عما يعتقد، فمن أصحاب المرقعات هؤلاء من أثبت أنّه أوعى وأقدر وأذكى من حكام عصرنا جميعًا. وأنا أعلم ـ كما صرح في بعض جلساته الخاصة ـ أنّه يقصد بلابسي المرقعات عمر بن الخطاب. وأحب أن أطرح أمامه مشكلة واحدة عجز حكامنا عن التغلب على ما هو أقل منها بكثير… بكثير جدًّا، وأقصد بها مشكلة المجاعة في عام الرمادة أيام حكم عمر بن الخطاب سنة 18 هجريًّة، وسميت بعام الرمادة؛ لأنّ الرمادة معناها الموت، وقد هلك في هذه المجاعة، ثلثا النّاس، ولم يبق منهم إلاّ الثلث، وهو عامٌ انقطع فيه المطر تمامًا حتى اسودت الأرض، وصارت في لون رماد الفحم من انعدام الماء وحرارة الشمس، فخلت تمامًا من الشجر والعشب، وفيه هلكت الماشية، وجاع النّاس، وبلغ بهم الجوع أن استفوا الرمة (أي كانوا يحرقون جلد الحيوان وعظمه البالي ويدقونه ويستفونه). وفيه كلحت وجوه العرب واسودت فهي في لون الرماد من الجوع، وفيه كانت الريح تسفي بشدة ترابًا أسود كالرماد.

وفي هذا العام كما يقول الطبري: "جعل الوحش، يأوي إلى الإنس، وجعل الرجل يذبح الشاة فيعافها من قبحها، وإنّه لمقفر". فماذا فعل عمر تجاه هذه المجاعة المفاجئة القاتلة؟
كتب العقاد في عبقرية عمر: "إنّ هذا الرجل لم تواجهه في ولاياته الواسعة صعوبة أكبر من ذلك... وكان اضطلاعه بتفريج الأزمات كاضطلاعه بتدبير الحاجات إلى التعمير والتنظيم".

بهذه الآليات من حزم وعزم، وقدرة على التدبير ومواجهة المشكلات، والنوازل استطاع عمر أن يواجه نكبة الرمادة التي نزلت بالمسلمين في جزيرة العرب، ولم يكن لها من قبل شبيه.

فبادر بإرسال كتب الاستغاثة والاستمداد إلى ولاته في الأمصار، وهي تشبه البرقيات في عصرنا، لما تتسم به من طوابع السرعة، والإيجاز والمباشرية، زيادة على توهج الشعور، فالمجال ليس مجال شرح وتفصيل، ومقدمات طوال، وعرض بلاغي؛ لأنّ المجاعة المهلكة لا تسمح بالاتساع لمثل ذلك، والوقت في هذه الحال عزيز عزيز.

وجاءت استجابة الولاة سريعة عملية، من عمرو بن العاص الذي أرسل إليه سفنًا بالبحر وقوافل بالبر.
وقدم عليه أبو عبيدة بن الجراح بأربعة آلاف راحلة (ناقة) محملة بالطعام، وبعث إليه معاوية بثلاثة آلاف بعير تحمل الدقيق، وبعث إليه بثلاثة آلاف عباءة، وبعث إليه والي الكوفة بألفي بعير تحمل الدقيق.
وكان أكثر سكان الصحراء أشد تأثرا بالمجاعة من غيرهم، فقصد المدينة آلافٌ منهم يعانون الجوع، فوكل عمر بعض الصحابة بالطبخ ومد الموائد لهم. واتخذ من مدينة الجار (وهي مدينة تقع على ساحل البحر الأحمر) مركزًا من مراكز التوزيع للمواد على القبائل المتفرقة، وكان عمر رضي الله عنه يوصي رسله وعماله بما يجب أن يفعلوه، ويقولوه، ويوجهوا إليه من أصابهم القحط والجوع.

فيروي أنّه عند قدوم أول الطعام وصى رسوله بما يأتي:

1ـ أن يعترض للعير (قافلة الطعام) فيميلها إلى أهل البادية.

2ـ أن يتخذ أهل البادية من الظروف (أكياس الطعام بعد تفريغها) لحفًا يلبسونها.

3ـ أن ينحر لهم الإبل، فيأكلوا ما شاؤوا من لحومها، ويدخروا ما شاؤوا من دهونها.

4ـ أن يصنعوا من الدقيق ما شاؤوا، ويدخروا منه كذلك.

وفي عام الرمادة أخَّـر عمر الصدقة، أي لم يجمع الزكاة من النّاس، فلما أمطرت السماء، وأذهب الله عن الأمة المحل والجدب، أمر سعاته في العام التالي أن يأخذوا عقالين، (أي زكاة عامين) فيقسموا عقالًا بين المحتاجين من أهل الناحية، ويقدموا على عمر بعقال.

وبعد أن أتى الله بالفرج، وأمطرت السماء، خشي عمر أن يستمرئ الأعراب الذين نزلوا بالمدينة، وما حولها حياة المدر (أي الحياة الحضرية)، ويركنوا إلى الدعة، والاسترخاء، فعمل على إخراجهم إلى منازلهم الأولى في البادية، وأعطاهم ما يكفيهم وما يحملون عليه ـ من الإبل ـ وكان يشرف على ذلك بنفسه.

وعاش عمر رضي الله عنه عام الرمادة حزينًا مهمومًا، على قوة عزمه، وحزمه، وصبره، وقوة إرادته، حتى قال خادمه أسلم: "كنا نقول: لو لم يرفع الله سبحانه وتعـالى المحْل (الجدب) عام الرمادة لظننا أن عمر يموت همًّا بأمر المسلمين".

وكان عمر يعلم علم اليقين أهمية التقوى، وشحن المسلمين بالطاقة الروحية التي تستمد من الدعاء، والاستغفار وطاعة الله: {وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ} [سورة الطلاق: 2 ـ 3]. فكان دائم الدعاء، وتذكير النّاس بالله.

ومن أهم عوامل التوفيق في التصدي لهذه النكبة، والتغلب عليها أنّ عمر رضي الله عنه كما ذكر الدكتور محمد حسين هيكل ـ رحمه الله ـ كان "القدوة المثلى" للنّاس في كل الأمور، فنزل بعيشه إلى مستوى حياة الفقراء الذين لم يكونوا يجدون إلاّ مائدته يجلسون إليها مع الألوف الجائعين لينالوا ما يُبقى عليهم الحياة، فكان يأكل معهم، ولا يرضى أن يتناول طعامه في بيته، حتى لا يظن أحد أنّه يؤثر نفسه بشيء لا يناله ذو الفاقة من قومه، وقد حقق بتصرفه هذا غرضين جليلين:

أولهما: الشعور بألم النّاس شعورًا يدفعه إلى مضاعفة الجهد في العناية بهم، والعمل لدفع الضر عنهم.

وآخرهما: طمأنينة السواد إلى أنّ أمير المؤمنين يشاركهم في بأسائهم وضرائهم، فلا تثور نفوسهم، بل يظلون راضين، بكل ما يصيبهم؛ لأنّ أكبر رجل في الدولة يشاركهم فيه. وقد بلغ عمر من هذين الغرضين خير ما يبلغه حاكم في أية أمة من الأمم.

وبهذه القدوة كان يلزم أهله، فكان إذا أراد أن ينهي النّاس عن شيء، تقدم إلى أهله، فقال: "لا أعلمن أنّ أحدًا وقع في شيء مما نهيت عنه إلاّ أضعفت له العقوبة".
وفي عام الرمادة حرم على نفسه السمن واللحم. قال خادمه أسلم: "... كان يأكل كسرات الخبز الجاف مغموسة في الزيت"، فقال: يا أسلم، اكسر عني حره بالنّار. فكنت أطبخه له، فيأكله، فيتقرقر بطنه عنه، فيقول: "تقرقر ما تقرقر، لا والله لا تأكله (السمن) حتى يأكله النّاس".

وبذلك التقت في عمر رضي الله عنه محاسن الذات، ومكرماتها قولًا وفعلًا، بحسن التدبير والتخطيط، ووراء كل أولئك إيمان بالله لا يضعف، وثقة بالله لا حدود لها، ومعايشة حقيقة صادقة للأمة في آلامها وآمالها، وكل أولئك يثمر النجاح والفلاح والتوفيق، والنصر الفائق المبين.

وتلقت الأمة المحنة متدرعة بالصبر، عائذة بالتقوى، فلم يهتز إيمانها، ولم تفقد يقينها وثقتها بالله، فاجتازت هذا الابتلاء بتوفيق، ونجاح بعد أن منحها مزيدًا من القوة، والصقل، والقدرة، واليقين.

هذا هو عمر البدوي الخليفة لابس المرقعة، فانظر أيّها العلماني المسرف على نفسه، وعلى الحق، وعلى غيره، كيف استطاع بحاسته الإيمانية، وفكره الثاقب، وهو الذي لم يدخل مدرسة، ولم يلتحق بجامعة، انظر إليه كيف استطاع أن يحل هذه المشكلة القاتلة، ووازن بين ما عرضته أنا في السطور السابقة، وبين سياسة حكامنا أمام مشكلات أقل وأصغر وأبسط بكثير وكثير جدًّا ممّا حدث أيام هذا الحاكم البدوي لابس المرقعة.

وأختم مقالي بالكلمة المأثورة "إذا لم تستح فاصنع وقل ما شئت"، والحياء شعبة من الإيمان، هداك الله وهدانا أجمعين.


د. جابر قميحة
بتاريخ 31 - 3 - 2008

ادعو لعمرو رحمه الله وغفر له

عمرو نقل الىّ والى غيرى هذا المقال فندعو الله ان يجعل ذلك فى ميزان حسناته

حاورت الشيطان الرجيم

حوار مع الشيطان


حاورت الشيطان الرجيم في الليل البهيم فلما سمعت أذان الفجر أردت للذهاب إلى المسجد
فقال لي :عليك ليل طويل فارقد .
قلت: أخاف أن تفوتني الفريضة
قال :الأوقات طويلة عريضة

قلت: أخشى ذهاب صلاة الجماعة
قال: لا تشدد على نفسك في الطاعة

فما قمت حتى طلعت الشمس ...
فقال لي في همس : لا تأسف على ما فات فاليوم كله أوقات

وجلست لآتي بالأذكار ففتح لي دفتر الأفكار

فقلت: أشغلتني عن الدعاء
قال: دعه إلى المساء

وعزمت على المتاب ، فقال: تمتع بالشباب !
قلت: أخشى الموت
قال: عمرك لا يفوت ...

وجئت لأحفظ المثاني
قال: روّح نفسك بالأغاني
قلت: هي حرام
قال: لبعض العلماء كلام!
قلت: أحاديث التحريم عندي في صحيفة
قال: كلها ضعيفة

ومرت حسناء فغضضت البصر
قال: ماذا في النظر؟
قلت: فيه خطر
قال: تفكر في الجمال فالتفكر حلال

وذهبت إلى البيت العتيق فوقف لي في الطريق ..
فقال: ما سبب هذه السفرة ؟
قلت: لآخذ عمرة
فقال: ركبت الأخطار بسبب هذا الاعتمار وأبواب الخير كثيرة والحسنات غزيرة
قلت: لابد من إصلاح الأحوال
قال: الجنة لاتدخل بالأعمال

فلما ذهبت لألقي نصيحة ..
قال: لا تجر إلى نفسك فضيحة
قلت: هذا نفع العباد
فقال: أخشى عليك من الشهرة وهي رأس الفساد

قلت :
فما رأيك في بعض الأشخاص؟
قال :
أجيبك على العام والخاص
قلت :
أحمد بن حنبل؟
قال :
قتلني بقوله عليكم بالسنة والقرآن المنزّل
قلت :
فابن تيمية؟
قال :
ضرباته على رأسي باليومية
قلت :
فالبخاري؟
قال :
أحرق بكتابه داري
قلت :
فالحجاج ؟
قال :
ليت في الناس ألف حجاج فلنا بسيرته ابتهاج ونهجه لنا علاج
قلت :
فرعون ؟
قال :
له منا كل نصر وعون
قلت :
فصلاح الدين بطل حطين؟
قال :
دعه فقد مرغنا بالطين
قلت :
محمد بن عبدالوهاب؟
قال :
أشعل في صدري بدعوته الالتهاب وأحرقني بكل شهاب
قلت :
أبوجهل؟
قال :
نحن له أخوة وأهل
قلت :
فأبو لهب ؟
قال :
نحن معه أينما ذهب !
قلت :
فلينين؟
قال :
ربطناه في النار مع استالين
قلت :
فالمجلات الخليعة ؟
قال :
هي لنا شريعة
قلت :
فالدشوش ؟
قال :
نجعل الناس بها كالوحوش
قلت :
فالمقاهي ؟
قال :
نرحب فيها بكل لاهي
قلت :
ما هو ذكركم؟
قال :
الأغاني
قلت :
وعملكم؟
قال :
الأماني
قلت :
وما رأيكم بالأسواق ؟
قال :
علمنا بها خفاق وفيها يجتمع الرفاق
قلت :
فحزب البحث الاشتراكي ؟
قال :
قاسمته أملاكي وعلمته أورادي وأنساكي
قلت :
كيف تضلّ الناس ؟
قال :
بالشهوات والشبهات والملهيات والأمنيات والأغنيات
قلت :
كيف تضلّ النساء ؟
قال :
بالتبرج والسفور وترك المأمور وارتكاب المحظور
قلت :
فكيف تضلّ العلماء؟
قال :
بحب الظهور والعجب والغرور وحسد يملأ الصدور
قلت :
كيف تضلّ العامة ؟
قال :
بالغيبة والنميمة والأحاديث السقيمة وما ليس له قيمة
قلت :
فكيف تضلّ التجار ؟
قال :
بالربا في المعاملات ومنع الصدقات والإسراف في النفقات
قلت :
فكيف تضلّ الشباب ؟
قال :
بالغزل والهيام والعشق والغرام والاستخفاف بالأحكام وفعل الحرام
قلت :
فما رأيك بدولة اليهود (اسرائيل) ؟
قال :
إياك والغيبة فإنها مصيبة واسرائيل دولة حبيبة ومن القلب قريبة
قلت :
فأبو نواس؟
قال :
على العين والرأس لنا من شعره اقتباس
قلت :
فأهل الحداثة؟
قال :
أخذوا علمهم منا بالوراثة
قلت :
فالعلمانية؟
قال :
إيماننا علماني وهم أهل الدجل والأماني ومن سماهم فقد سماني
قلت :
فما تقول في واشنطن؟
قال :
خطيبي فيها يرطن وجيشي فيها يقطن وهي لي وطن
قلت :
فما رأيك في الدعاة ؟
قال :
عذبوني وأتعبوني وبهذلوني وشيبوني يهدمون ما بنيت ويقرءون إذا غنيت ويستعيذون إذا أتيت
قلت :
فما تقول في الصحف ؟
قال :
نضيع بها أوقات الخلف ونذهب بها أعمار أهل الترف ونأخذ بها الأموال مع الأسف
قلت :
فما تقول في هيئة الإذاعة البريطانية ؟
قال :
ندخل فيها السم في الدسم ونقاتل بها بين العرب والعجم ونثني بها على المظلوم ومن ظلم
قلت :
فما فعلت في الغراب ؟
قال :
سلطته على أخيه فقتله ودفنه في التراب حتى غاب
قلت :
فما فعلت بقارون ؟
قال :
قلت له احفظ الكنوز يا ابن العجوز لتفوز فأنت أحد الرموز
قلت :
فماذا قلت لفرعون ؟
قال :
قلت له يا عظيم القصر قل أليس لي ملك مصر فسوف يأتيك النصر
قلت :
فماذا قلت لشارب الخمر ؟
قال :
قلت له اشرب بنت الكروم فإنها تذهب الهموم وتزيل الغموم وباب التوبة معلوم
قلت :
فماذا يقتلك ؟
قال :
آية الكرسي منها تضيق نفسي ويطول حبسي وفي كل بلاء أمسي
قلت :
فما أحب الناس اليك ؟
قال :
المغنون والشعراء الغاوون وأهل المعاصي والمجون وكل خبيث مفتون
قلت :
فما أبغض الناس اليك ؟
قال :
أهل المساجد وكل راكع وساجد وزاهد عابد وكل مجاهد
قلت :
أعوذ بالله منك فاختفى وغاب كأنما ساخ في التراب وهذا جزاء الكذاب !


ادعو لعمرو رحمه الله